الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

من مدرسة هجرة نبينا






''لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ'' (آل عمران: 196 - 198). معاشر المؤمنين إني أهنئ نفسي وإياكم بهذه الوحدة بين أمة الإسلام. نعم بيننا من قصَّر كثيراً في التزام سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا أظن ذلك عن عمد وإنما لجهل بسيرته العطرة (صلى الله عليه وسلم) وبموجبات ذلك الحب الطاهر الذي يسمو فوق كل شيء وتتعطل الكلمات عن وصفه: يا سيدي يا رسول الله معذرة إذا دعتني القوافي ثم لم أُجِبِ... وما عجزت لأن الشعر أعجزني ولكن لأنك فوق الشعر والأدب. صلى عليك الله يا علم الهدى.. صلى عليك الله يا إمام التقى.. صلى عليك الله يا خير من وطئ الثرى. معاشر المحبين لنبيكم (صلى الله عليه وسلم) ومع بداية عام هجري جديد يحلو الكلام عن سيرة الحبيب (صلى الله عليه وسلم) وهجرته المباركة لنستلهم منها العظات والعبر، فما أشبه الليلة بالبارحة، قبل الهجرة كانت دماء المسلمين تراق بمكة، فهذه سمية قتلت أبشع وأشنع قتلة عرفتها البشرية واليوم دماء المسلمين تراق في عدة أنحاء من العالم· قبل الهجرة كان أصحاب النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بلال وخباب وغيرهم يعذبون من أجل دينهم، واليوم كم من المسلمين يعذبون في سجون معلومة ومجهولة، قبل الهجرة كان يستهزأ بالنبي (صلى الله عليه وسلم): ساحر مجنون شاعر واليوم تكرر الجاهليات المعاصرة الكلام نفسه بطريقة أخرى عصرية، فكانت الهجرة إلى طيبة الطيبة، إلى المدينة المنورة، إلى عاصمة الإسلام الأولى نقطة التحوّل في حياة الأمة؛ بعد الهجرة تحوّل المسلمون من فئة صغيرة مستضعفة إلى أمة ودولة مرهوبة الجانب نشرت النور في العالم ولم تر البشرية قط أرحم ولا أعدل من حكمهم، الهجرة ليست حدثاً عادياً ولله در الفاروق الملهم يوم أن ربط تاريخ الأمة بهذا الحدث العظيم ليظل منبهاً لها يوقظها كلما استرسلت في سباتها· الهجرة شجرة عظيمة باسقة سقاها أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) بتضحياتهم فآتت أكلها بعد حين، فهذا صهيب تفاوضه قريش على ماله، فيفتدي نفسه ويشتري الهجرة بكل ماله فيربح البيع، وهذا أبو سلمة تفاوضه قريش على زوجه وتنزع يد ولده أمامه فيشتري الهجرة ويضحي بالزوجة والولد، وهذا الصديق (رضي الله عنه) يضحي بماله ونفسه وأهله مهاجراً مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فخلد الله له ذلك الموقف في آيات تتلى إلى يوم القيامة بقوله: ''إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ'' (التوبة: 40). فأين الذين يتطاولون على الصديق (رضي الله عنه) من هذه الآيات الكريمات؟ نقول لهم هذا ما قدمه الصديق (رضي الله عنه) للإسلام ولخير الأنام (صلى الله عليه وسلم)، فماذا قدمتم أنتم؟ وهذا إمامنا وقدوتنا (صلى الله عليه وسلم) يخرج مهاجراً تاركاً أحب البقاع إليه مكة حرسها الله، يخرج ويمكث في غار ثور ثلاثة أيام بين صخور جرداء بلا مكيف، بلا فراش، بلا رفاهية من أجل ماذا؟ من أجلي ومن أجلك ومن أجله ومن أجلها. نعم، من أجل البشرية جمعاء ليبلغ دين الله وينقذ البشرية من الظلمات إلى النور، صلى عليك الله يا سيدي يا رسول الله تركت في الهجرة آيات ومعجزات تلجم المعاندين والمكذبين؛ رجل طريد يسير وسط الصحراء لا يملك من حطام الدنيا شيء حتى الدابة التي يركبها هي عارية من صاحبة الوفي الصديق (رضي الله عنه) يعد سراقة بن جعشم بسواري كسرى ملك أعظم دولة في ذاك الزمان ويعطيه صكاً بذلك، فيقف سراقة مدهوشاً لهذا كيف يعد رجل طريد فقير بمثل هذا لكنها النبوة، لكنها الرسالة، لكنها الشموخ المنبثق من الثقة بالله عز وجل ويتحقق الوعد في عهد الفاروق (رضي الله عنه) ويتسلم سراقة السوارين كما وعده بها النبي (صلى الله عليه وسلم)، يمر على خيمة أم معبد وما فيها إلا عنز عجفاء خلفها الجهد عن الغنم ما تبض بقطرة لبن فيمسح بيده الشريفة على ضرعها الذي جف بعد الاستئذان من أم معبد صاحبتها وإذا بذاك الضرع لا يتمالك نفسه إلا أن يتفجر أنهاراً من اللبن فيشرب النبي (صلى الله عليه وسلم) ويسقي من معه ثم يملأ لأم معبد مقرها لبناً يكفيها ثم يغادر، فلا إله إلا الله ما أعظمها من آيات عظيمة دالة على نبوته صلى عليك الله يا سيدي يا رسول الله، أمة الإسلام وإني من مكاني هذا كأني أرى فجر هذه الأمة يبزغ مع بزوغ هذا العام الهجري الجديد، لكنه بانتظار من يلحق من أمة الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق