السبت، 7 يناير 2012

خير بداية ونهاية توبة إلى الله






وآسفاه إن دعينا اليوم إلى التوبة وما أجبنا، واحسرتاه إن ذكرنا اليوم بالله وما أنبنا ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (سورة التحريم: 8)· روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي قال: (ينزل الله عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يمضى ثلث الليل الأول ويقول: أنا الملك جل وعلا، أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟! من ذا الذي يسألني فأعطيه؟! من ذا الذي يستغفر فأغفر له؟! فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر)· إن عكفت على المسلسلات أفق، إستيقظ، كفى غفلة الله ينادى عليك وأين أنت ما زلت قابعاً أمام التلفاز، ما زلت عاكفاً على المسلسلات والأفلام، أنسيت من كان معك العام الماضي أين هو الآن بين يدي الرحمن·· ((كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (سورة القيامة: 26 ـ 32)· وبذلك يفتح سجله ويفتح كتابه فإذا به لا صدق ولا صلى ولكنه كذب وتولى، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال سبحانه: ((حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (سورة المؤمنون: 99 ـ 100)· لماذا (لَعَلِّي)- سبحان الله- واثق أنه هل سيعمل صالحا أم لا مع أنه يتمنى الرجعة والعودة ((قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا))، غير واثق من نفسه غير متأكد إن كان سيعمل صالحا أم لا، يأتي الجواب: ((كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ)) لا يجيبها الله لا يسمعها الله بمعنى الإجابة ((حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ))·

فهيا أيها الحبيب، يا أيها العاقل، الله سبحانه وتعالى ينادي علينا كل ليلة ليتوب العصاة من أمثالي، وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي قال: (قال الله تعالى في الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني- فاذكر الله بذكرك الله سبحانه- وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، وإن تقرب علي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)، وفي الصحيحين من حديث أنس ـرضى الله عنه- (الله أشد فرحا بتوبة عبده إليه حين يتوب من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه راحلته وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح· فرح الله إن تبت إليه أعظم من فرح هذا العبد بعودة دابته إليه·

أقبل أيها اللاهي، أقبل أيها العاصي مهما كان ذنبك فعفو الله أعظم، مهما كان جرمك فكرم الله أوسع عد إليه ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) (سورة الزمر: 53)· وقال تعالى: ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)) (سورة النساء: 48)· قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - والحديث رواه البخاري من حديث عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يقول: قدم على رسول الله سبي، فإذا امرأة تبحث عن ولدها فلما رأت هذا الولد أخذته فألصقته فنظر النبي إلى هذا المنظر الحنون وقال لأصحابه: (أترون هذه طارحة ولدها في النار؟) هل ستطرح هذه الأم التي كانت تبحث بهذا الحب والشفقة عن ولدها ثم ألصقته ببطنها وصدرها فأرضعته، هل تطرح هذه الأم ولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله اسمع ماذا قال المصطفى قال: (والله، الله أرحم بعباده من هذه الأم بولدها) من ذلك أيضاً ما قاله أحد السلف أنه قال يوما لربه: اللهم أنك تعلم أن أمي هي أرحم الناس بي وأنا أعلم أنك أرحم بي من أمي، وأمي لا ترضى لي الهلاك أفترضاه لي أنت وأنت أرحم الراحمين، أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله، لَلله أرحم بعباده من هذه الأم بولدها فعد إلى الله، فالتوبة تجب ما قبلها· ومن شروط التوبة: أن تندم على ما مضى، فالندم هو ركن التوبة الأعظم وأن تقلع عن جميع الذنوب والمعاصي، وأن تداوم على العمل الصالح، وأن ترد حقوق العباد إلى العباد قبل أن يأتي يوم لا درهم فيه ولا دينار، وإنما أخذ من الحسنات ورد له من السيئات: أتدرون من المفلس؟'' والحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه- قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: (ولكن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وحج، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى عليه أخذ من سيئات من ظلمهم ثم طرحت عليه فطرح في النار)· اللهم نجنا من النار· أيها الأفاضل التوبة إلى الله خير بداية وخير نهاية، فالمقبل على الله بهمة عالية·

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق